مخاوفُ مُدلهمة
مخاوفُ مُدلهمة
الساعاتُ تمرُّ، والوقتُ يفرّ، وأنا، أنا لستُ بمستقرّ.
الأيامُ تتسربُ، والأعوام تذوبُ، والعمرُ يفنى إذ سيكتنفُه غروب.
لقد كنتُ طفلاً يحبو، ثم أصبحتُ يافعًا، ثم شابًا،
وأخيرًا، لفني الزمانُ، فغدا بي هَرمٌ، تعبتُ من الحياة والحياةُ ملَّت مني.
فأسرعْ أيُّها القضاءُ واختطفني.
إحملني وحلق بي نحو مدينة مجهولة،
مدينة لا تمتُّ لمدن أرضنا بسبب.
ودعني أتجول في منعطفاتها علي أكتشف سرًّا خفيًا
يُحبِّبُ لي وجودي، بعدما لعنتُهُ في أرضنا الشقية.
تسربي يا ساعات حياتي وتلاشي،
ففي تسربكِ انطفاءُ شعلة حياتي.
لقد أحاطت بي المخاوفُ،
ولازمتني الأهوالُ الجسام،
وقطنت في أعماقي الوساوسُ،
فبتُّ وكأني مخلوقٌ قادمٌ من عالم، كل ما فيه مُرعب!
إن أشباح الظلام تعبثُ بي وتُلاشي طمأنينتي،
وتدعني أحيا في جحيمٍ تخافُه حتى أبالسةُ الظلمات المُدلهمة.
فليت الذي وهبني الحياة يعود ويستردّها مني ثانية.
ليطفأ قنديلي، وليُسكبْ زيتهُ كي لا يعودَ فيضيء،
فتجربة الحياة إنما هي رعبٌ قاتلٌ وهولٌ مُردم.
فاظهرْ أيها الموتُ، وتجلَّ لي، فإنني لا أخافك.
إنما يخافك كلُّ من يتشبَّث بهذه الحياة التافهة.
وما دمتُ قد خبرتها وتذوَّقتُ علقمية مرارتها،
لهذا أُهيبُ بك أن تُنهي وجودي،
إذْ بمماتي تبداُ ثانيةً حياتي.
كُتبت في طائرة الجامبو الذاهبة من باريس إلى نيويورك
تاريخ 10/3/1976، الساعة الخامسة و24 دقيقة بعد الظهر