يا نفسي القلقة
يا نفسي القلقة
يا نفسي القلقة!
أيتها النفس الحيرى!
يا من أثقلتكِ أوزارُ هذه الكرة الأرضية!
يا من أرهقتكِ متاعبُ هذه الفانية!
أيتها السجينةُ في هذا الجسد المادي الحقير!
يا من تريدين الانطلاق فتكبلُكِ المادةُ بكبولها الممقوتة!
أيتها التواقة للانعتاق، الراغبةُ بالتحليق نحو العلاء!
يا من تنشدين عالمًا غير عالمك المادي هذا!
أيتها النفثة القدسية والنفحة العلويّة!
لقد حُكِمَ عليك أن تنزوي في جسد مادي أرضيّ، لأمد قصير،
ومن خلاله تنظرين – والألم بمعن فيك تعذيبًا.
ما يُرتكب في هذا الكوكب من شرورٍ هائلة، وآثامٍ مرعبة،
تشاهدينها فتتمنين لو لم تهبطي إلى عالم الأضاليل المدنسة.
تحاولين هداية الناس، والناس قد اندمجوا بالشرور،
وتمنطقوا بالآثام، ونطقوا بأفحش الكلام.
أفراد، أيتها النفس، يُعدُّون على الأصابع،
فهموا الحقيقة، وتبعوها، ولكن بمقدار أيضًا.
وما دام الإنسان أيّامُه معدودة، ولياليه ستتصرم حبالها،
فلماذا لا يرتفع بروحه نحو الأعالي،
ليُكافأ على احتقاره مغريات الحياة، بفراديس غنّاء
تمضي آلاف من الأعوام وهو رائع بسعادة
لا يمكن لقلم بشري أن يصفها،
لعظيم ما تحتويه من لذاذاتٍ روحيَّة ومُتَعٍ إلهية.
إن جميع مغريات هذه الحياة لا تستطيع إدخال الفرح إلى نفسي،
أو تدعني أشعر بسعادة وهمية،
سرعان ما يبترها سيف الموت الرهيف الرهيب.
ويومَ تنطفئ شعلةُ حياتي،
ويومَ يدعوني إليه داعي الموت ويبسطُ ذراعيه ليضمّني إليه،
ويومَ تتوارى عن عينيّ مرئياتُ هذه الأرض المفعمة بالآثام الهائلة،
يومذاك أشعر بالسعادة الحقيقية،
وأتذوَّقُ لذة العالم العلوية،
وأحيا هناك في تلك الربوع السحرية،
الحافلة بمتُعٍ لم تشاهد مثلها العيون، أو تسمع بها الآذان!
يومذاك تكتملُ أفراحي وتتمُّ مسراتي الروحية.
فمتى أنطلق من ربوع الأسر إلى فضاء الحرية؟ متى؟!
فندق شراتون بالكويت، والساعة 9.30 ليلاً، 27/6/1970