الجبل المقدس
الجبل المقدس
كان جبلاً رائع الفتنة،
يشعرُ الناظرُ إليه بحب عارم،
ويتمنى أن يتسلقه لينعم أشجاره الغناء الوارفة.
وإذا أتيح له تسلقُه،
يجد، قبل نهايته، نتوءين بارزين،
روعتهما فردوسية، وجمالهما أخاذ،
فهما مُستديران بفن إلهي!
وفي أحد الأيام تسلق شابٌّ هذا الجبل الرائع،
وعندما بلغ النتوءين، ألقى عصا ترحاله بينهما،
وكانت سعادته عظمى لبلوغهما.
هذا الشاب كان مطاردًا من قبل سلطات بلاده،
لأفكاره الثورية،
وقد قادته خطواته إلى هذا الجبل الجميل،
فاتخذه له مقرًا.
وكان في كل يوم يرود مجاهل جبله، باحثًا في جنباته، منقبًا زواياه، مُستطلعًا خفاياه،
مُنتشيًا بلجوئه إليه.
وعندما تسطع النجوم في كبد السماء،
وتنير الكائنات ببريقها الفاتن،
إذْ ذاك كان يهبط ويستلقي قبل نهاية ذلك الجبل بقليل،
إذْ وجد أمنيته في هذا المكان المعشوشب النضير.
فكان ينعم بنومه فيه،
ويتمنى أن يطول ليلُه،
ويرجو أن لا يطلع فجره.
***
ومضت الأيام وهو سعيدٌ في رحا جبله،
يلفه الشوق أن يمكث فيه دون مغادرته.
وقد استبدت به روعته فأنشد قائلاً:
– أيها الجبل الفاتن الجميل!
يا من وهبتني سعادةً عظمى!
أيها الرائع بمفاتنك العجيبة،
والمُذهل بما حباكَ اللهُ به!
لقد تمتعتُ بربوعك،
وانتشيتُ من خمر حبك،
ورتعتُ بين نتوءيك،
ورقدتُ بواديكَ الحبيب،
وسعدتُ باضطجاعي فيه!
وكم تمنيتُ أن أخلد فيه!
هائمًا في لُجَج بواديهِ.
فليتني أقضي في واديكَ أيُّها الجبلُ المقدس!
***
وفي صباح أحد الأيام،
زُلزلت الأرضُ زلزالها،
وأخرجت الأرضُ أثقالها،
وإذا بالجبل يتهدم ويتردم!
وتبعثرت حجارته وتفككت صخوره!…
وبينما كانت فرقة الإنقاذ تبحث عن المفقوين بين الأنقاض،
وجدت الشاب مُسجى قبل نهاية الجبل بمسافة قصيرة،
فدفنوه. في المكان الذي قضى فيه.
بيروت، الساعة الخامسة من مساء 18/7/1979