أخي المفَدّى
أخي المفَدّى
ثِقْ ، يا أعزَّ مخلوق لديَّ ،
بأنّك قاطنٌ في قلبي ، ثاوٍ في نفسي ، ومندمجٌ بروحي ،
وأيقِنْ بأنَّ الأعوامَ مهما مضَت فلن تستطيع أن تُواريك عن تفكيري .
لقد كان غيابُكَ السريع عنّي صدمةً هائلة زَلزَلَتْ كياني ،
ومزَّقَتْ وجودي ورَدَّمَتْ آمالي .
تالله ! أما كان بالإمكان أن تحيا لبضع سنوات أخرى أيها الحبيب الغالي ؟
أما كان بالإمكان أن تبقى النبالة وتبقى عزَّة النفس في عالمنا البغيض .؟
وهل قُدِّر على دنيانا أن لا يحيا فيها إلاّ المَكْر والمَينْ !
وبمن تراني أستطيع أن أثق بعد انطلاقك عنّي ؟
ومن ، تراني ، أأتمن بعد أن غادرتَني ، يا أَحبَّ الناس إلى قلبي !
فسواء طلعَت الشمس أم غربَتْ ،
وسواء أشرق بدر أم أفَلَ قَمَر ،
وسواء توهَّجَتْ كواكبُ السماء أو أظلمت ،
وسواء أمطرت دنيانا أم حبسَتْ مياهها عن الهطول ،
وسواء قَدِمَ الربيع أم حَلَّ المُحْلُ في كُرَتنا الأرضيّة ،
فكلُّ ما ذكرتُ عاد لا يُثيرني أو يُحرّك فيَّ ساكناً ،
لأنَّ تواريكَ عن عالم الأرض
جعلني ميتاً كحَيّ لا أشعر بما يشعر به أبناءُ البشر !
وبتُّ أنتظرُ منجلَ الموت ليحصد روحي
علَّها تلتقي بك ، وإذْ ذاك أشعر بلذّة وجودي .
كراكوفيا ، أوّل تشرين الأوّل 1972
الساعة الواحدة والربع بعد الظهر