داهش والموت

ذكرتُكَ فحزنَتْ رُوحي

 ذكرتُكَ فحزنَتْ رُوحي            

أَخي الحبيب الدكتور جورج خبصا ،

ذكرتُكَ فشاع الحزنُ في نفسي ،

وتملَّكني أَسى سيطر على كياني ،

وذرفتُ دمعةً حرّى لذعَتْ وجهي .

أيْ أخي المفدّى .

لقد بَدَوْتَ بجسدكَ الفارع ووجهكَ الباسم أمام مخيّلتي ،

وإذا بالشجن أرتديه لباساً ، وبالأسى يُطَوِّقني كتطويق السوار للمعصم .

وتمثَّلتُك فتمثَّلتُ الشهامة الرائعة التي كانت صنواً لك .

فالإِباءُ كان رفيقُكَ ، ونديمُكَ ، وشخصيّتك الثانية ،

وَشَمَمُكَ الأنوف لا ولن أنساه ما حييت ،

وشفقتُكَ على الفقراء والمعوزين وعونكَ لهم قدر استطاعتك .

فباركَ الله بكَ من شهم ، شفيق ، رحيم .

وكَرَمُكَ هذا الكَرمَ الذي لا ولن أرى مثيله ما حييت .

إِنَّ حبَّك قطَنَ في قلبي ، وسرى مع الدم في عروقي ،

وثِقْ بأنّني ما حييت فلن أجد من يسدُّ فراغك .

آه ، لقد كان رحيلُكَ سريعاً عنّي .

وما أَعظمَ شوقي لك ! ومَا أمرَّ لوعتي بسبب غيابك الأبديّ !

ولي أمنية وحيدة ، يا أخي الذي طواكَ الموتُ دون أن يرحمني ،

وهي ضراعتي لله القدير أن يجمعني قريباً بك ،

وإذْ ذاك يعودُ إليَّ الفرحُ ويغربُ عنّي التَرح ،

وأحيا معكَ حتى الأبد بمرح .

وما ذلك على الله بعسير .

                             بُخارست – رومانيا ، في 29/9/1972

                             الساعة الثانية عشرة والنصف بعد الظهر

 

                         ذكرَياتٌ محزنة

في الساعة الواحدة بعد الظهر ، وصلتُ إلى مدينة براشوف الرومانيّة ،

ودخلتُ المطعم برفقة هادي وسائق التاكسي

الذي أوصلنا إلى هذه القرية التي تبعد 184 كيلو متراً عن بوخارست .

جلستُ على مائدة الطعام ، وكانت نفسي حزينة الحزن كلَّه ،

إذْ تذكَّرتُ أَخي الحبيب الدكتور خبصا ،

هذا الأخ الوفيّ الذي غادر دنيانا الفانية منذ ثلاثة أعوام انطوت ،

كما تذكّرتُ ماجدا شهيدة غَدرِ شيخ المجرمين الآثمين ،

ذلك الشيطان الأثيم الذي أصبح مسكنه الجحيم

عند سيّده إبليس الرجيم .

وتذكّرتُ والدتي التي اغتالها الردى في عام 1948،

وكذلك الأخ يوسف الحاج أوّل من اعتنق الداهشيّة في لبنان ،

والشاعر حليم دمُّوس الداهشيّ ذلك الأديب والخطيب المفوَّه ،

والأخ الداهشيّ بولس فرنسيس رحمه الله رحماتٍ واسعة ،

وأوديت زوجة الدكتور جورج خبصا بلّلَ الله ثراها .

جميع من ذكرتُ من الإخوة والأخوات

قد طواهم الردى وغيَّبهم الموتُ القاسي ،

وانطلقت أرواحهُم مغادرةً دنيا الفانية ،

دنيا الأكاذيب والآثام ، والأضاليل والأوهام .

إنَّ ذكراهم لن تبرح خاطري ،

وإخلاصهم لداهشيّتهم سيدوّنه التاريخ في صفحاته .

أمّا اللوعة فقد سَرَتْ في روحي ،

وقطنت بقلبي بسبب غيابهم عنّي ،

وتواريهم عن بصري .

حقّاً إنّ دنيانا تافهة وكلَّ ما تحويه حقير بحقير !

فهي لا تُساوي قُلامةَ ظفر أو شروى نقير !

إنَّ الألم المُدمِّر قد لازمني بعد غيابهم المرير ،

والأسى يحوم حولي مثلما تحوم الغربان

فوق فريستها دائبة لاقتناصها !

وإذا ما انهمرت الأمطار ، وزمجرت العاصفة ،

واضطربت الأشجار وارتعدت الفرائص ،

إذ ذاك أطلب من هذه العاصفة الهوجاء المدمّرة

أن تحملني على أجنحتها الثائرة ،

وتنطلق بي حيث يوجد من سبقوني إلى العالَم الآخر ،

وبالتقائي بهم تتمُّ سعادتي ويكتمل حبوري .

فاحمليني أيّتها الريح مثلما حملتِهم ،

وأدخليني إلى فراديسهم ،

فقد كفاني ما لاقيتُه من أحزان

بسبب فراقهم المرير ،

وما اكتنف أعوامي من أشجان مُؤسية .

آه ! ليتني أُغلق عينيَّ ثم أفتحهما ثانية ،

وإذا بي أُعانقهم ويعانقونني

هناك في جنَّة الخلد ، جنَّة النعيم المقيم !

 

                                 مدينة براشوف الرومانيّة – تاريخ 30/9/1972

                                      الساعة الواحدة والثلث بعد الظهر

Leave a Reply

Your email address will not be published. Required fields are marked *

error: Content is protected !!