هُناك دُفِنَتْ أمَانيه
هُناك دُفِنَتْ أمَانيه
أيُّها النوتيّ المحدق في الأفق اللانهائي،
اقترب بقاربك الجميل نحوي،
فإنني أريد الرجيل نحو المجهول،
نحو مدينة بعيدة بعيدة – ولكنها سعيدة سعيدة.
واعملْ بمجذافيك قدر استطاعتك،
لنبتعد عن مدينة الأنام
المغمورة بأحط أنواع الآثام.
وانشرْ شراعكَ ليزداد بعدُنا عن مدينة الشرور،
ولنقصد موطن الكواكب النيرة،
موطن النجوم المتلألئة،
موطن السُدُم والمذنبات.
موطنٌ لا يمتُّ للكرة الأرضية بأية صلة،
موطن بعيد، وراءَ الغيوم القصية،
هناكَ وراء الأفق، وراء السحاب،
تتراءى لي مدينة تشملها الطمأنينة وتغمرها السعادة،
مدينة ثملى بالنشوة القدسية،
فقُدْني إليها أيها النوتيّ، وأسرعْ لتبلغها بزورقك الجميل.
أسرعْ أيها النوتيّ، فقد استيقظت العاصفة،
واضطربت الأمواج، وذُعرت أعماق الأوقيانوس،
وضربت الرياح وجه الأواذي فغضبت وعلا زئيرُها المخيف،
وهطلت الأمطار تُثيرها الزوابعُ الهائلة،
وومضت البروق، وانقضت الصواعق متلاحقة،
وارتاعت خلائقُ المحيط، ففرت هابطةً إلى الأعماق القصية،
وغمر الظلامُ الدجوجي أرجاءَ المحيط اللانهائي.
وكانت الرعود تقصف، فيميد البحر من قصفها المرعب.
ولفظ القاربُ أنفاسه بعد احتضار مخيف.
وأشرقت شمسُ الصباح.
وإذا بحورية الماء تتمنعن بوجه جثة طافية.
كانت جثة الشاب الذي ظن أنه سيبلغ
وطن النجوم، وطن السعادة، مدينة الأحلام، مدينة الطمأنينة،
فإذا به ضجيع الأوقيانوس الشاسع.
هناك انتهت آمالهُ، ودُفِنتْ أمانيه
مدريد- اسانيا، في الساعة الخامسة صباحًا من 19/10/1971