في أدب الدكتور داهش

أدب الصدق

 

أدب الصدق

 

بقلم الشيخ عبداللّه العلايلي

 

 

بين يديّ طائفة من تأمّلاتٍ روحيّة تحرَّكت بها نفس وخفقَ بها جنان .

 

الى طائفة أخرى من أحلامِ روحٍ هائمة بالجمال , مُفعمة بالحبّ , تأوّد بها ضمير , واستهامَ  بها وجدان .

 

الى صورٍ وصور كانت مباءة حيوات أفتنّ بها خيال وتأنّقها بيان .

 

فجاءت آية فنّ كما شاءت تهاويل عبقريّة الفنّان ,

 

ورائعة أدب أشرقت بسُنى إلهامِ الرُّوح في قلبِ الإنسان !

 

*  *  *  *  *  *  *

 

مضيت أتلوها وأنا في مثلِ دغدغات النشوة عند حالم نشوان !

 

فخُلتني أجنّح في جوِّ أمان عبقريّات حسان !

 

تألّق كلّ شيء , عنده , في مثل سنى الألماس والعقيان  ,

 

واحتبكت في فضائه أقواس تمور باّللمعان ,

 

وانبثقت من حفافه ينابيع  طهر تغسل ما على الأرض من أدران

 

فظلّلت رانياً أطلب العلاء بالقلبِ , وإن أعلقت دنيا الأرض بالجثمان .

 

*  *  *  *  *  *  *

 

فهذه رسالة أدب الصدق دون ما زور أضاليل ينطق به أدب البهتان .

 

فإنّ في الأدب الحقّ قوى تنزع من النفس ألواناً وتجىء إليها بألوان ,

 

وتبعث الإنسان بعثاً جديداً حتى يجيء كائناً حيّاً أسمى بين الإفتان والإفتنان ,

 

وتتناول المُجتمع فتصوغه صوغاً آخر حتى يجيء كائناً إجتماعيّاً أكمل بين الإتقان والإحسان .

 

فليس إلاّ ” أدب الصدق ” خالداً على لسان الدهور والأزمان .

 

وهل لغير أدب الخلود قدرة على إستبدال ما ينبغي أن يكون في الحياة والأخلاق والفكر بما هو كائن وما قد كان ؟

 

*  *  *  *  *  *  *

 

في طبيعة البشريّ معركة ضارية عوان ,

 

شبّت وما فترت منذ كان الدهر وليداً الى أن كاد يخلولق منه الكيان .

 

تلك معركة الجسم والروح ! فالحيّ منها بين حيرة وأطمئان !

 

وهو يسير تحت ثقلها مجهوداً لاهثاً , فقد ناءت منه الأركان ,

 

ومسحته الكآبة وتمشّت على وجهه طيوفها , وغارت في محاجره العينان ,

 

وراح يطلب الخلاص من لظى الصراع الدائر بين جوانحه في عنفوان ,

 

فيغمض عينيه مستسلماً لليأس أواناً ,  ويفتحهما في أوان …

 

*  *  *  *  *  *  *

 

ورسالة ” المُصلح الحقّ ” تنحصر في أن يجعلَ من عنيف الصراع تفاعلاً ينضر مادّة الجسمان ,

 

فيتجوهر وجودها الترابي كالماس حتى يشعّ بإشراقِ الرُّوح مثل الكوكب الفتّان ,

 

ويسحقُ في وجودها وجود ذيّاك الأفعوان .

 

وبذلك يهيّء السبيل ليرجع بألحيّ وقد طُرد أول عهده من ساحات الجنان .

 

*  *  *  *  *  *  *

 

تلك غاية ” الدكتور داهش ” , وفي سبيلها يرسل نفثات صدره المُنبثق بشعلاتِ الإيمان .

 

فجاءت أدباً فوق الأدب بما تميس به ميسان حاليّات الأفنان !

 

وجاءت صوفيّة فريدة بما فيها من مثاليّة الضمير الريّان !

 

وبرزت في ألفتها صورة من نضارٍ تراكب عليه درّ ومرجان !

 

*  *  *  *  *  *  *

 

ألا سرّ في طريقك غير عابىء بما يصدّونك به من صارمٍ أو مرّان ؛

 

فالناس في هذه ” الأرض ” في مثل مسبح التماسيح والحيتان .

 

وعسى أن يعود الكون ويبتسم ثغر الزمان ,

 

والمجدُ للّـه في العلاء , وفي الناس المسرّة , وعلى الأرض السلام والأمان .

 

بيروت , 19 نوّار, 1943

 

 

Leave a Reply

Your email address will not be published. Required fields are marked *

error: Content is protected !!