تعبٌ كلها الحياة
تعبٌ كلها الحياة
فما أعجب إلا من راغب في ازدياد
هي الحقيقةُ التي لا زيف فيها.
فأبو العلاء المعرِّي كان صادقًا عندما تفوه بهذه العبارة الخالدة.
وماذا تحويه هذه الحياة ليستمرئ المرءُ العيش فيها؟!
إن الشقاء يطوقها، والهم يضنيها، والقلق يفنيها!
والحياة إن بسمت لكَ لحظة تعود لتعبس لك شهرًا!
وإن داعبتك دقيقة عادت فكشرت لك عن أنيابها عامًا!
وإن لاعبتك أسبوعًا فإنها تضنيك حقبةً طويلةً من الزمن!
وماذا تحويه هذه الدنيا كي تشعرني بالسعادة؟!
فالمرض واقفٌ لي بالمرصاد! والأحداثُ جائمةٌ لتنقصَّ عليَّ فجأة!
وموتُ الأحباء أقرب الينا من حبل الوريد!
وحب الكسب والجشع يسريان في عروقنا مع الدم!
ولكن الخسارة تدمي فؤادنا فنروح نتحسر ونتحسر
ومن عنده وحيد وحصده منجل الموت الرهيب الذي لا يرحم
فالتعاسة قد خيَّمت على منزله التعيس!
ومن نُكبَ بابنة – وشذَّت ثم انجرفت وراءَ ميولها،
وأخيرًا استسلمت لأحدهم،
إذاً تكون قد سلَّمت والديها لحزنٍ هائل
ما كان أحراهما أن لا يقذفا بها إلى هذا العالم الذي تطوقه الأحزان، وتقطن في سهوله ونجوده الأشجان.
وما دام الإنسان – رغم معرفته بما هو مخبوءٌ له من مرارة العيش وضنكه إذا تزوج وقذف بالأنجال –
تراه يُقبل على الزواج بشره، ويُكبُّ عليه بفرح،
ثم ينقضُّ فوقه بمرح!
كل ذلك لكي لا يحرم نفسه من اللذة الحيوانية،
هذه اللذة العابرة التي ستنكبُه نكباتٍ هائلة ما كان أغناه عنها.
ولكن على من تقرأ زبوركَ يا داود؟
إذًا ليصمت الجميع وليخرسوا، وليجترُّوا آلامهم
التي أصلوا أنفسهم إليها عن جدارة واستحقاق.
فعاصرُ العنقود شاربه، وطابخُ السم آكلُّه.
كوبنهاغن – الدانمارك في 12/6/1972
والساعة الثالثة والثلث بعد الظهر