داهش والموت

موتُ الجيز

موتُ الجيز

سكنَتْ حركتُه،

وأطبق جناحيه

بعد أن ضمَّ رجليه ويديه،

واستحالت حركته الفتَّانة إلى صمتٍ أخرس عميقٍ كل العمق،

وجثم جثمته الأبدية بدعة وصمتٍ محزنين،

واستحال اخضرارُ جناحيه إلى اغبرار الموت الذي لا يرحم.

لقد مات الجيزُ اللطيف التكوين بعد نزاعٍ مؤلم.

لقد انطلقتْ روحُه بعد ساعات احتضارٍ طويلة.

وكان ألمه المُجسم يبدو بالحركات البطيئة التي يُبديها في يديه النحيلتين،

وبزعنفتيه الدقيقتين المهتزتين بين الفينة والفينة.

وفي خلال احتضاره حاول أن ينهض أكثر من مرة،

ولكنه كان يهوي دون بلوغ أمنيته المُستحيلة.

رششتُه بالماء فما أجداه نفعًا.

ونفختُ عليه برقة علِّي أبعث فيه الحياة،

فكنتُ كالنافخ في الرماد.

أمسكتُه بلطف ورقة وجعلته ضمن وردةٍ قانية اللون،

علَّ أريجها يحيه، ولكن عبثًا كانت محاولتي المُضحكة.

وما بلغت الساعة الواحدة بعد الظهر،

حتى انتهى أمره وتبدَّد عُمره،

فحملته بخشوعٍ وورع، ووضعتُه ضمن علبة معدنية،

وأغلقتها عليه فحنَّت عليه وحنَّت إليه.

إنها مثواهُ الأخير ورمسُهُ البارد المُظلم.

وأنا، أنا البشريُّ المسكين،

أتمنى على الله العلي العظيم

أن يُرسِلَ لي في يومي الأخير

يدًا رفيقةً رقيقة

تُغمضُ عينيَّ المُتعبتين من أتراح دنيا الفساد والشقاء،

وتضعُني في نعشي، ثم تذرفُ عليَّ دمعةً صادقةً،

لتعود هذه اليد فتُواريني في الجدث البارد المنسي.

وهناك أمكُثُ مُضطجعًا ضجعتي المؤسية الأخيرة

حتى أبد الآبدين.

                                                                   بيروت، تاريخ 4/65/1945

Leave a Reply

Your email address will not be published. Required fields are marked *

error: Content is protected !!