فقاقيع
فقاقيع
خلوتُ إلى نفسي، واستعرضتُ أسماء بعض من يطلقون عليهم في عالمنا الفاني لقب (العظماء). فمن رعمسيس إلى نبوخذنصر، فنابليون بونابرت، إلى الاسكندر الكبير، فداريوس الفارسي، فتيطس، فأوغسطس قيصر، فجنكيز خان، فتيمورلنك، فهولاكو، فهتلر، فموسوليني، فستالين، وغيرهم من كبار القادة والفاتحين… جميع هؤلاء مرّوا في كرتنا الأرضية مرَّ السحاب العابر!
وأنا أُشبههم بالفقاقيع التي تطفو إحداها على سطح الماء لفترة ثم يفجرها الهواء فتتلاشى بلحظة عابرة… وهكذا بقية الفقاعات التي تتفجر وتتلاشى بعضها إثرَ بعض!
فلماذا، لماذا حاول الاسكندر اغتصاب العالم، وما الفائدة التي كان يرجوها حتى لو استعمر الكرة الأرضية بأسرها؟! أوليست نهايته الموت، والموت نهاية كل حي؟!
وكذلك بقية زملائه الفاتحين!…
وماذا لو تملَّكوا الأرض وما فيها بمن فيها ما دام مصيرهم إلى فناء ووجودهم إلى زوال!
إن المادة قد أخفت الحقيقة عنهم، وأطماعهم كانت ستارًا حديديًا تحتجب الحقيقة وراء حديده الرهيب.
إن ذكرى هؤلاء الذين دوَّنَ التاريخُ أسماءَهم كعظماء تضمحلّ، وتتلاشى معها هذه العظمة الكاذبة فورًا، عندما يُذكَر اسم المسيح أو محمد أو موسى أو بوذا، هؤلاء الأنبياء والهُداة مؤسّسي الأديان، والمبشرين بالأخوّة الإنسانية.
فلا رصاص حاصد للأرواح، ولا مدافع تُمزّق الأشلاء فيعلو النحيب ويتصاعد النواح، ولا طائرات حربية تذهب بالرجال إلى عالم الأشباح…
بل حبٌّ شامل، وعطف كامل، وأيدٍ تُصافح أيدِيًا بالأكفّ والأنامل.
الأنبياء فقط ليسوا بفقاقيع، فهم رُسُلُ الله البصير السميع.
فذكرُهم يملأ دُنيانا ويُضفي عليها بردًا وسلامًا.
هؤلاء هم العُظماء، وعظمتُهم الروحيّة خالدة خلود الأبَد. إذاً فليصمتِ الفقاقيع بعدما تجندلوا وتجندلت معهم أطماعُهم، فاندثرَت عند ذاك أحلامُهم. وإنْ خلدها لهم التاريخ فإنه تاريخ الإنسان المحدود التفكير.
وحيَّا الله مؤسسي الأديان الذين يقودون الإنسان إلى الإيمان الذي سيدعه يرتع في جنَّات النعيم.
جيبوتي، 17/11/1970
الساعة 12 ونصف بعد الظهر