داهش والأنسان

أيتها المرآة كفاكِ هُزءًا بي

أيتها المرآة كفاكِ هُزءًا بي

                                               

نظرتُ في المرآة، فإذا بالذعر يتملكني،

إذ شاهدتُ وجهًا مخيفًا قد تغضنت أساريره، لِقدَم عهده،

ورأسًا قد فني الشعر منه، فإذا به صلعة شوهاء،

والعينين قد غارتا في أوقابهما، فأصبحتا أهلاً للرثاء،

وذلك البريق الصاعق قد خبا منهما وانطفأت أنواره،

فإذا به كالبرق قد ومَضَ ومضى!

وتلك الحيوية المتدفقة بجبروتٍ عاصف

أصبحت أسطورةً تُروى، بعدما تلاشت وعفت آثارُها.,

عجبتُ لهذا التغير العظيم الذي مُنيتُ به!

تُرى، أأنا من أراه الآن في هذه المرآة البغيضة اللعينة؟

لقد كنتُ شابًا يافعًا تتدفق الحماسة في أعطافي،

والثورة كانت مستقرَّة في قلبي، وتغمر أنفاسي،

فكيف – كيف تمَّ هذا التغيُّر المرعب القاسي؟

وهل ستمكث الشيخوخة الثقيلة العبء زاحفةً على دياري

فأرزح تحت وطأتها الرهيبة في إقبالي وإدباري؟

تالله إنها مهزلة، وأية مهزلة تُجندل فيها فتوتي

وتضمحل قوتي ويتحقق فيها فراري!

وأُمنى بذلٍّ عظيم وخيبة كبرى بعد أن سُحِق شبابي ومُحقت آثاري!

إذْ زحفَت عليَّ جيوشُ القدر الذي لا يرحم فتمَّ انكساري.

تطوقنا أكدارُ الأعوام وغيرُ الليالي، ونحنُ لاهون بمباذلنا لا نُبالي!

وإذا بالشيخوخة تحني ظهورنا بعد استقامتها،

وتعصف بشبابنا، فتُحيله إلى صورة القردة الكريهة الشوهاء،

فيضيق أقربُ الناس إلينا من وجودنا بينهم،

واللحدُ يقهقه قهقة السعالي إذ إنه سيضمنا في جوفه المرعب!

وفجأةً ينقضُّ علينا غرابُ الموت، وبومُ الشؤم،

وينتزع نبضات الحياة من قلوبنا التعيسة،

فإذا بنا جثة هامدة لا حراك فيها، ولا نفعَ منها.

فيا لله ما أشقى الإنسان!

وما أتعس أيامه! وما أتفهَ أحلامه!

                                                فندوق هانلاند بلاغوس نيجيريا

                                      في الساعة التاسعة من صباح 30 كانون الثاني 1971

Leave a Reply

Your email address will not be published. Required fields are marked *

error: Content is protected !!