المرأة دينهم ودنياهم
المرأة دينهم ودنياهم
الحياة شقاؤها دائم، وحزنها مُقيم.
فمنذ ولادة المرء في دنيا الألم،
تُلاحقه الأتعابُ المتواصلة…
وعندما يبدأ بتفهم ما يُحيط به،
تتبعه الويلاتُ والفواجع التي تقضُّ المضاجع؛
فالمنغصاتُ تحطُ على هامته،
وتفقده لذة دنياه السقيمة…
ويكبر، وتكبر همومُه تِبعًا لتقدمه في الأيام…
ثم يقرنُ حياته بحياة فتاة أختارها،
وإذْ ذاك تبتدئ أحزانُه المتسلسلة،
ويُنجب بنين وبنات يقولون عنهم إنهم زينة الحياة الدنيا!
ولماذا لا يقولون إنهم محط الأحزان ومبعث الأشجان؟
بل وينبوع الكروب والمآسي الجسام؟!
فإذا قُدِّر لأحدهم وحيد،
بذل في سبيله ما أدخره من مال،
حتى يُكمل تعليمه الجامعي وهو ما يزال في ميعة الصبا
وعمر الورود الفاتنة…
وإذا برصاصة طائشة تُرديه،
وعن والديْه تُواريه!
وإذْ ذاك ماذا يحلُّ بوالده ووالدته؟
إنَّ الحزن، إذْ ذاك، يطوقهما بأشجانه،
ويدخلهما في أجوائه…
فتقطن المرارةُ بقلبيهما،
والألم المبيد يستبد بهما استبدادًا مُدمّرًا.
فإذا بالدموع تُسفَح،
والنشيج يتواصل، والعويل يسرح ويمرح!..
إنها فاجعة حالكة الدجنّات،
رهيبة المنعصات!..
ويروح أبوه فيلعن الساعة التي اقترنَ بها،
فاصبح مقرونًا بالتعاسة المُدمّاة.
إنّ ما ذكرتُه عن هذين الأبوين
ينطبق على جميع سكّان الكرة الأرضية.
فجميعهم بهذا الأمر سواسية.
فرغمًا عن معرفة الجميع ما ينتظر أن يُطالعهم به القدر
من غدرٍ رهيب يحيل سعادتهم لشقاء دائم،
فإنّهم يقدمون على الزواج برغبة عارمة وفرحة كبرى.
وما دامت هذه هي غاية غاياتهم المُرجّاة،
إذًا لا يحقّ لهم الشكوى عندما تعصف بهم العواصف،
وتزلزلهم أعنفُ الرواجف!..
فشهوتُهم هي التي قادتهم إلى حتفهم،
ومرَّغتْ لهم أنفهم!..
ورغبتهم العارمة هذه ستُلازمهم حتى فناء الكرة الأرضية!
بيروت، 12 تموز 1967