عُدتُ إليكِ يا باريس
عُدتُ إليكِ يا باريس
بتاريخ 27 نيسان 1935 غادرتُ باريس بالقطار الذاهب إلى ميلانو، وكتبتُ
وأنا بالقطار قطعة أسميتها: وداع باريس. وبتاريخ 30 ايلول 1969 عدتُ إلى باريس وكتبتُ هذه القطعة:
باريس!
ها قد عدتُ إليك.
عدتُ بعد مرور أربعة وثلاثين عامًا!
عدتُ فوجدتُكِ ما زلت على العهد تقيمين!
فشوارعُكِ، ومتاجرك، وحدائقك، وشبانُكِ وشيبُكِ وفتياتُكِ،
جميعهم لم يتغير بهم شيء طوال هذه الأعوام العديدة!
إذًا، لقد صدق حدسي.
فأنتِ، يا باريس، مدينة أرضية لا سماوية.
تتساوين وجميع مدن العالم وعواصمه في كل أمر.
فالصدقُ ابعد شيء عن عواصم الدنيا باسرها،
وأنتِ إحداهن، يا باريس الفتاة اللعوب المُتصابية!
فليس عجيبًا أن يُغريك الطمع مثلهن فتكونين وهُنَّ سواء!
وليس عجيبًا أن تغركِ المظاهر فتنقادين إليها
مثلما انقادت لها مدن كرتنا الأرضية جميعها!
وفتياتكِ يُغرين الرجال كنساءِ الأرض قاطبةً!
غبيًا أكونُ إن آمنتُ بأن الفضيلة ستعمُّ ربوعكِ،
يا باريس المُتبهرجة!
وكذلك لن تتمسكَ مدُنُ عالمنا بالفضيلة،
بعدما فتحت صدورها للرذيلة!
فالرغباتُ والشهوات، والمشارب والمآرب
ستبقى شعارًا لكِ
ولكافةِ مُدُن الأرض وقُراها ودساكرها وشِعابها وأوديتها وغاباتها،
حتى تدقَّ ساعةُ انتهاء دور هذا العالم التافه!
وإذ ذاك يعلمُ سكانُ الأرض أنهم كانوا في ضلالهم يعمهون،
وبحقاراتهم الخسيسة يتشبثون!
باريس، صباح 30 ايلول 1969،
في مقهى Audepart، تجاه حديقة اللكمسمبور
والساعة الحادية عشرة إلا ربعًا صباحًا