التوقُ للانعتَاق
التوقُ للانعتَاق
اليومَ تأكد لي أن شمسي قد جنحت نحو الغروب،
وأيامي قد فنيتْ وضمها الغيبُ في أغواره السحيقة.
وطفولتي كانت تعيسةً، وأباس منها أيام فتوتي.
مضت تلك الأيام بمرها لا بحلاوتها إذ كانت علقمية المذاق.
فالعوز كان رفيقي، والحاجة كانت سميرتي،
والإدقاع كان صنوي في صباحي ومسائي.
ثم أصبحتُ شابًا، ولكني كنتُ حذرًا من الجميع،
فلا من أؤمن بصداقته ولا من أوليه ثقتي.
كنتُ أحاذرُ الجميعَ مثلما يُحاذِر المرءُ الثعبان المُميتَ اللسعة.
ودارتِ الأيامُ دورتها وانطوت أعوامٌ وأبيدت سنوات،
وكان التغير يرسم على صفحة وجهي طبعه القاسي،
فالتجاعيدُ حفرتْ فيه أخاديدَ أخاديد،
والشعر الذي تبقى في رأسي بيضه مرور الأعوام،
والجلد قد جفَّ، والنظرُ قد تضاءل، وحاسة الشم فقدت،
والأسنان، يا للأسنان الناصعة البياض والمتراصَّة،
لقد سقطت بعد أن أذابها مرور الأيام وتكرار الأعوام،
والنفس قد ضاق وعسُر تنسُّم الهواء المُنعش،
والنفسُ أيضًا قد ضاقت ذرعًا ممَّا لاقته في أرض الهوان.
فأسرعي يا أيامُ، واتبيعها، أيتها الأعوام،
فبإسراعكِ نهاية لحياتي الشقية؛
إذ إن روحي قد بلغت الراقي،
وهي ترغبُ عن الأرض الفِراق،
وأنتَ أيها الموت، أسرع، أسرع بالمجيء لتتسلم الأمانة،
فقد عانيتُ الأهوال في هذا العالم المُفعم بالشقاءِ المُرعب،
واحملني، احملني أيها الموت الرحيم
إلى عالم مُوغلٍ في متاهات اللانهاية،
علَّني أجد فيه الراحة التي أصبحتُ بأشد الحاجة إليها.
بربك أيها الموتُ، ادخلني في عالمَ الرائع البهيّ،
فقد ملَّت نفسي البقاء في هذا العالم المُدنَّس الشقي.
الساعة 3 وثلث بعد الظهر
بيروت، تاريخ 22/8/1974