مستندات داهشيّة

كلمتي لعام 1982

                         كلمتي لعام 1982

إِنَّ عصرَنَا الحاليَّ تجتاحُهُ موجةٌ رهيبةٌ منَ الإِباحيَّةِ والكُفْرِ والإِرهابِ المُتواصل. فالدينُ فقَدَ تأثيرَه، وتبخَّرَتْ آثارُه، واندثرَتْ معالمُهُ، إِذْ كفرَ بهِ الجميعُ، ووَلَّوْه ظهورَهُم، وتهكَّموا على دستورِه، وبعثروا أَشلاءَه، ومزَّقوا أَستارَه، ورقصوا فوقَ بقاياه. لمْ يبقَ أَحدٌ ما يُؤمنُ بالدينِ وقيَمِهِ الروحيَّةِ السامية.

لهذا سادَ الفسادُ ربوعَ دُنيانَا، وعشَّشَتْ الرذيلة، بعدمَا باضَتْ وفرَّخَتْ وسمقَتْ، فإِذا بثمارِهَا الكريهةِ يتذوَّقُهَا الجميع، ويستسيغُهَا الكُلّ، لا فرقَ بينَ كبيرٍ وصغيرٍ؛ فجميعُهُم سواسِية يستطيبون طعمَهَا، ويستميتون في سبيلِ الوصولِ إِليْهَا.

الدِّينُ أَصبحَ لديْهِم خُرافةً مُضحكة، والقِيَمُ الروحيَّةُ ضلالاً شائناً، والتمسُّكُ بالفضيلةِ سخافةً تافهة.

لهذا غرقَ الجميعُ في دياجير الرذيلة، وارتكبوا المُحَرَّمات، وخاضوا في مُستنقعاتِ الإِثم الفاضح والشرِّ الناضح.

ففي عصرِنَا الحاليِّ فقَدَتْ القِيَمُ الروحيَّةُ معناهَا، بعدمَا سادَ الإِلحادُ بينَ الجميع، فإِذاهُ الربُّ المعبودُ.

إنَّ مفاسدَ الحياةِ الماديَّة دهَمَتْ بشرورِهَا مرافقَ الحياةِ كافَّةً. فانكفأَتْ الفضيلةُ مَهيضةَ الجناح، تئنُّ منْ جراحِهَا البليغةِ وليسَ منْ مُنْجِد.

لقدْ توارَتْ الفضيلةُ، بعدمَا تركَتْ فراغاً هائلاً في المجالِ الإِنسانيِّ.

والمذاهبُ الإِلحاديَّةُ تفشَّتْ بينَ الجميع، فإِذا بمُعتنقيهَا يؤمنونَ بالآكاذيبِ ويتشبَّثون بالأَوهامِ السرابيَّة البغيضة.

إنَّ الحياةَ انكفأَتْ راساً على عَقِب، فلمْ تعُدْ المحبَّةُ هي السائدةُ، بلْ البِغْضةُ والتفرقةُ، وأَصبحَ القتلُ هو الوسيلةُ الوحيدةُ، بها يتعاملُ الجميعُ؛ فالقويُّ يفترسُ الضعيفَ بشراسةٍ وعنفٍ هائلَيْن.

في هذهِ الطريق المُعوجَّة المُلتوية، سارَ الجميعُ في عصرِنَا اللعين هذا. وإِذا بالإِرهاقِ العظيم يستولي عليْهِم ويستعبدُهُم.

كلٌّ منهُم يُحاولُ أَنْ يجدَ حياةً نفسيَّةً هادئةً ليستقرَّ فيهَا، بعدمَا أَضناهُ التَّعبُ، وأَشقاهُ الإِلحاد، ولكنْ دونَما جدوى؛ لأَنَّ الحضارةَ الماديَّةَ الكاذبةَ منَحَتْهُ متعةَ الجَسَد، ودعَتْهُ أَنْ يُشبعَ منْ مطالبِ اللحمِ والدم، لكنَّها عجزتْ عنْ إِشباعِ روحِهِ الظامئةِ لمعرفةِ الحقيقةِ الروحيَّة التي تطمئنُّ لهَا الروح.

فالحياةُ لهؤلاءِ أَصبحَتْ جحيماً مُقيماً مُتلظِّياً بالنيرانِ المتأَجِّجةِ الخالدة.

لقدْ أَصبحَ عالمُ الجميع قبيحاً القبحَ كلَّه، ناضحاً بالشرِّ المُتواصل، فاضحاً بقذارتِهِ الشائنة؛ فليلُهُ فاحمُ الدجنَّات، وفجرُهُ طافحٌ بأَحطِّ الموبقات.

في عصرِنَا الحاليِّ لا تسمع إلاَّ بالنُّظُمِ الديمقراطيَّة، والدكتاتوريَّة، والرأَسماليَّةِ، والاشتراكيَّة، وسواهَا وسواهَا منْ المُضحِكاتِ المُبكياتِ على اختلافِ أَشكالِهَا وأَلوانِهَا واتِّجاهاتِهَا. وقدْ سلبَتْ منَ الإِنسانِ روحَ إِنسانيَّته، بعدمَا أَوقعَتْهُ في شِباكِهَا اللعينةِ الكاذبة، وأَسَرتْهُ، فإِذاهُ آلةُ مُسَيَّرةٌ غيرُ مُخيَّرة. لقدْ أَصبحَ خالياً منَ التعاطُفِ والتَّوادِّ والتراحُمِ والشعورِ الإِنسانيِّ المُتبادَل بينَ الإِنسانِ وأَخيه الإِنسان.

فإِذا لمْ ينبذْ الجميعُ هذهِ العقائد الإِلحاديَّة القّذِرة، فسيبقونَ راسفين في قيودِهِم الشيطانيَّة التي تشدُّ على أَعناقِهِم لتُوردَهُم مواردَ التهلكة.

إنَّ العودةَ إِلى الدين هي طريقُ الخلاصِ للجميع، ففيهِ يجدُ الإِنسانُ راحتَهُ وأَمنَه، وفيهِ يجدُ قلبَه وقدْ اطمأَنَّ، وروحَه وقدْ استقرَّتْ.

إنَّ الدِّينَ هو الطريقُ الوحيدُ الذي يقودُ إِلى واحةِ الأَمانِ والطُمأنينة.

فعليْكُم بالعودةِ إِليهِ والسَّيْرِ في طريقِهِ المستقيمة، لكيْ يكونَ معنًى لحياتِكُم واستقرارٌ لوجودِكُم الذي عصفَتْ بهِ الماديَّة عصفاً مُبيداً.

فالحياةُ بدونِ القِيَمِ الروحيَّة السامية جحيمٌ مُخيفٌ رهيبٌ بنتائجِهِ المُزلزلة.

                                        كتبتُهَا في فُندقِ بِدْفورد بباريس  

Leave a Reply

Your email address will not be published. Required fields are marked *

error: Content is protected !!