داهش والداهشيّة في الصحافة

جورج شكور يدخل واحة نبلاء الأدب الفرنسي من بوابة … داهش

جورج شكور
يدخل واحة نبلاء الأدب الفرنسي

من بوابة … داهش

 

عبر سيرته الذاتية يصح أن يروي الإنسان سيرة الآخرين ؟ … ترى , لم السؤال ؟!…لم لا, في النهاية , ما دام السرد سرداً , و الحبكة مصانة المقام , فيها من الطيبات الأديبة و الروائية ما يليق بالبطل أو يكاد : ينبوع ماء فرات , متدفقة عذبة , يزيد عنصر المفاجأة من جاذبيتها …مفاجأة تحكمت بحياة الكاتب , فطبعتها بجمال من غير هذا العالم , فيما تحكم هو بالمفاجأة روائياً فإذا بالنتاج الفني( الرواية) يليق بروعة الموضوع , و بخصوصيته و فرادته و طهارته … و يتكامل مع الموضوع تكامل الاناقة و الرشاقة , الذكاء و الجمال , التهذيب و الصدق.

نعم … إن روعة الموضوع تستوجب مهارة أدبية نادرة كتلك التي يتحلى بها الكاتب جورج هنري شكور. هكذا ولد الجزء الأول من ثلاثية , أو رباعية ,”داهش”… و التي بدأها المؤلف ب..”اللقاء”.

إنه لقاء الشاب , الموسيقي , بمعلم أخيه شكري… الدكتور داهش, المصلح الإجتماعي المكتمل الصدق الناصع الضمير المتأهب الوجدان صاحب القدرات التي شاءها الله خارقة … فكانت المعجزات . معجزات الدكتور داهش التي هزت الأوساط السياسية و الصحافية  و الثقافية , و الطائفية اللبنانية طيلة عهد رئيس الجمهورية بشارة خليل الخوري , على امتداد الأربعينات و لغاية 1952 تاريخ إسقاط الرئيس بواسطة الإضرابات و التظاهرات الشعبية.

الكاتب يبدع في وصف الإنتظار , على أحر من الجمر , إذ عصفت به النشوة على شاطئ بيروت , في المسبح الفرنسي , عندما سمع باسم الدكتور داهش .. للمرة الأولى … فتعلق به , بقدرة خفية , و امتزجت حرارة الإنتظار و الترقب باطمئنان من أوشك على بلوغ شاطئ الامان : نشوة الحقيقة.

على إيقاع الرشاقة اللغوية, التي يكتشف عبرها القارئ أديباً مميزاً باللغة الفرنسية لا يقتصر تميزه على الإتقان الرفيع للغة فولتير و سبك عباراتها بإتقان أين منه تقنية عتاة الصاغة … فتمتزج الكلمات بالجواهر , تلمع , تغريك , تندفع لالتقاطها فإذا بك امام جواهر اخرى تخالها من خارج الأبجدية … لا يقتصر تميزه على ذلك و إنما تراه بأم بصيرتك و قد استقر في واحة نبلاء الأدب الفرنسي…

على إيقاع هذه الرشاقة اللغوية يحملك الأديب الى عوالم معرفة الذات و رهفة الأحاسيس .. لتجد نفسك شريكاً لحسناء الحنين… ” نوستالجيا “… و الجمال بجوهره أنثوي الملامح و المخيلة … تذرف دموعاً حارة الطهارة و انت تقرأ حسرات الكاتب عن تلك الحقبة … حقبة الكمال في حياته … و قد ولت و لن تعود.

يكتب عنها بما تستحق أن يكتب عنها , فيغلق القارئ الكتاب قليلاً و يرحل بنفسه الى تخيل اللقاء بالحبيب في المستقبل الأقصى : مئات من السنين لا يدري أحد إن كانت ستمر كذلك النيزك الروحاني الذي انار كالبرق حياة الشاب على شاطئ المسبح الفرنسي.

المسبح الفرنسي … بيروت الحلوة التي يسيئون معاملتها على مر العهود حتى غدا ذاك ” البرج ” المنتصب بقلة ذوق و غطرسة , أشبه باللوحة الأثرية , يدين عهودهم أمام ضمائر الأبرياء.

الجزء الاول من سلسلة “داهش” يؤشر مسبقاً إلى نجاح الأجزاء المكملة للتحفة الأديبة التي يقدمها لعشاق القراء و عشاق الحقيقة الأديب جورج هنري شكور و هو يجلي … حقاّ يجلي في “أنسنة ” الأفكار الفلسفية حين يلبسها ” فساتين لغوية” و حلى جواهر أين منها تلك التي كانت تسحر الحسناوات في ” سوق الصاغة” في بيروت … بيروت المغتصبة التي بالكاد عرفها كاتب هذه السطور , و أبناء جيله , قبل الحرب, فإذا به يحتك بها جسدياً , بحواسه و أحاسيسه عبر كلمات جورج هنري شكور.

رواية أديبة عالية المستوى , بل شاهقة العلو الأدبي –اللغوي بقدر ما هي منجم فريد للمفردات و التعابير و الموسيقى اللغوية . و هي بلا شك تأريخ دقيق لحقبة من التاريخ اللبناني و من تاريخ الإنسانية . للكلمة سحر… حقاً سحر.

 

حسن………..
ألمحرر ألعدد 449
29 أيار-4 حزيران 2004

*الكتاب صدر في باريس
عن ” جون ليفرييــه”.

أقوال الصحف Back to

Leave a Reply

Your email address will not be published. Required fields are marked *

error: Content is protected !!