داهش والداهشيّة في الصحافة

هذه هي ماري حدّاد صاحبة الكتب السوداء ضدّ رئيس الجمهوريّة الراحل بشاره الخوري!

هذه هي ماري حدّاد  صاحبة الكتب السوداء ضدّ رئيس الجمهوريّة الراحل بشاره الخوري!

 تحت هذا العنوان ، نشرت مجلّة ” اللواء ” في عددها رقم 89، الصادر بتاريخ 11 أيلول 1964 ، المقابلة التالية مع السيّدة ماري حدّاد :
 

من أجل ايمانها بالدكتور داهش ، تحمّلت هذه المرأة تهمة الجنون ، وبقيت في مستشفى الأمراض العقليّة بضعة أشهر ، مغلوبة على أمرها ، تماما كما حدث للأديبة الخالدة مي زيادة ! من أجل ايمانها بالدكتور داهش ، فتحت لها أبواب سجن النساء ، حيث أمضت سنة كاملة ابتداء من عام 1945 . ومن أجل ايمانها نفسه ، لقيت من ظلم ذوي القربى ما لم تره امرأة غيرها !

هذه المرأة هي ماري حدّاد ، صاحبة الكتب السوداء الخمسة والستّين ضدّ عهد الرئيس الراحل بشاره الخوري ! هي الآن في الخامسة والسبعين . عجوز عاقلة لم تترك حتّى الآن صناعة القلم . ولكنّها قلّما تقابل الزوّار ، بل تقبع في غرفتها داخل المنزل الهادىء المطل على حيّ الوطواط ، وتسبح في صفحات كتاب جديد قادم من باريس ، وتحاول أن تتحرّر من …الذكريات .

لمع اسم ماري شيحا حدّاد بين عام 1933 وعام 1940 . ففي عام 1933 ، كتبت عنها جريدة ” الدايلي ميل” اللندنيّة الناطقة باسم حزب المحافظين :” كأنّ لوحات هذه الفنّانة خميلة تكاد تنطق لو أعطيت قدرة النطق ، أو انعكاسات ضوء ، أو نماذج حيّة لبشر ، وهي نماذج حاول فنّانونا دراستها طويلا . انّ اللوحات تعكس سوريا بسمائها الغارقة في لون الشفق ، وجبالها ، وغابات صنوبرها العملاقة ، وأشجار برتقالها ،وغابات أرزها المترامية الأطراف التي غنّاها ” لامارتين “. وقد نقلت مدام حدّاد كلّ ذلك بأمانة . انّ فنّ مدام حدّاد فنّ قويّ ، متمكّن من نفسه !” امّا جريدة الباريسيّ الصغير ” الفرنسيّة ، فقد كتبت في 21 تشرين الأوّل من العام نفسه :” انّ مدام حدّاد تفرض شخصيّتها بفنّها الذي هو نسيج وحده ، وتودع احدى لوحاتها عواطف الحبّ للقرية ولبلدة ” عشقوت ” ( قضاء كسروان ) هكذا كانت ماري حدّاد ، ولا تزال واحدة من فنّانات لبنان اللواتي امتدّ صيتهنّ عبر المتوسّط الى ” المانش ” ، الى ” الأطلنطي “. وقد اشترت الحكومة الفرنسيّة منها لوحتين تمثّلان اثنين من أبناء القرى ، وأودعتهما متحف ” اللوكسمبورغ ” حيث لا تزالان تعرضان الى الآن . وهي أوّل من ترأس جمعيّة الفنّانين اللبنانيّين للرسم والنحت . وقد خلفها في هذا المنصب ، بعد ذلك ، الشيخ قيصر الجميّل الذي توفّاه الله منذ سنوات . كما أنّها لا تزال ، حتّى الآن ، واحدة من فارسات الأدب الفرنسيّ . وقد أحدث كتابها ” الساعات اللبنانيّة ” ضجّة في أكثر المحافل الأدبيّة .  

شجرة المشمش

انّ ماري حدّاد لم تكن اذن انسانا عاديّا حتّى يغفر لها أقاربها الايمان بالدكتور داهش …

وقد اقتحمنا عليها عزلتها هذا السبوع ، وسألناها :

         هل نعيش مع ذكرياتك ؟

         دعونا من الذكريات …انّها أليمة على نفسي !

         حتّى ذكريات الدكتور داهش ؟

قالت ، وابتسامة على محيّاها:

         بالعكس … هذه الذكريات حبيبة الى نفسي !

ومضت ماري حدّاد تروي حكاية لقائها بالدكتور داهش .

كانت واحدة من ست بنات وصبيّين خلّفهم المرحوم أنطوان شيحا . وهم : لور ( زوجة بشاره الخوري ) ، أليس ( زوجة الماركيز دو فريج )  ، أديل ( أمّ المليونير سامي شقير ) ماتيلدا ( امّ بيار حدّاد وجدّة زوجة خليل الخوري ). والصبيّان هما المرحومان ميشال شيحا ، مؤسّس جريدة ” لو جور ” ، وجوزف شيحا . وقد انتقلوا جميعا الى رحمة الله ، ولم يبق بينهم سوى ماري حدّاد نفسها . وقد ذكرنا في الأسبوع الماضي أنّ الطفل الذي وضعته أندريه حدّاد ، ابنة ماري حدّاد ، في مستشفى رزق في محطّة النويري ، هو الذي كان وسيلة التعارف بين آل الحدّاد وبين الدكتور داهش الذي كان يقيم مقابل المستشفى .

واسمعوا ماري حدّاد تروي أوّل ظاهرة روحيّة حدثت لها مع الدكتور داهش …قالت :

         خرجنا ذات مرّة الى حديقة منزل الدكتور داهش في محطّة النويري …وهناك أمسك الدكتور داهش بعجوة حبّة مشمش ، ووضعها على الأرض ، وقال :” بحقّ الله أن تتحوّل هذه النواة الى شجرة مشمش مزهرة .” ولم يكمل الدكتور داهش كلامه حتّى تحوّل الزهر الى ثمر . وعند ذلك أكلنا من أطيب ما ذقنا . وما تزال الشجرة قائمة في الحديقة حتّى هذا التاريخ !

قلنا بدهشة :

         هذا شيء عجيب !

قالت  :

         لا تعجبوا للحقيقة …الشجرة موجودة أمامكم !

ثمّ روت ماري حدّاد ظاهرة ثانية ، فقالت :

         ذات صباح ، اخبرني الدكتور داهش بأنّني رايت فيما يرى النائم حلما مزعجا ، وأنّني تضايقت منه كلّ الضيق . فقلت له :” فأخبرني أنّني نتيجة لهذا الحلم ستزل بي القدم ، ويصطدم رأسي بالجدار ن ولكن بمساعدة روحيّة سوف تكتب لي النجاة …ثمّ طلب إلي أن أكتب الرمز المقدّس حتّى يرفع عنّي الأذى ، ففعلت .وان هي الاّ ساعات معدودة حتّى زلّت بي القدم ، واصطدم رأسي بالجاد . ولكن خرجت من الحادث سليمة معافاة !…

المعطف ….الضائع !

ولم تكن آخر ظاهرة رأتها ماري حدّاد ، فهي تروي كذلك أنّها رسمت ، ذات يوم ، لوحة لمنظر طبيعي تظهر فيه شجرة وعليها عصفور مغرّد . ولمّا كانت قد سمعت بأنّ الدكتور داهش قد أنطق اللوحات الزيتيّة غير مرّة ، فقد سألته أن يحضر لها العصفور الغرّيد من اللوحة . وان هي الاّ لحظات حتّى دبّت الحياة في العصفور الغرّيد . فأخذته ماري حدّاد ، وارتاح بين يديها . وقد بادرت ، بعد ذلك ، الى وضعه في قفص خاصّ عاش فيه سنتين ….

ثمّ كانت الظاهرة الأكثر عجبا …

الحادث يتّصل بزوجها التاجر جورج حدّاد الذي ذهب الى فلسطين عام 1941 ، ومن هناك اشترى معطفا من الجوخ . ولكن لسبب من الأسباب ، فقد منه المعطف ، أو سرق . فجاء بيروت وهو كاسف البال لضياع المعطف . فلمّا جمعوه بالدكتور داهش ، وأخبروه أنّ الرجل يستطيع في احدى الجلسات الروحيّة ان يعيد الأشياء الضائعة الى اصحابها ، اغتنم فرصة انعقاد احدى الجلسات الروحيّة ، وطلب الى الدكتور داهش أن يعنيد اليه المعطف . وأخبره الدكتور داهش أنّه من غير الحكمة تحديد موعد استعادة المعطف ، ولكنّه لا بدّ أن يعود الى صاحبه في يوم من الأيّام !

وتمضي أيّام قليلة ….

ويكون الرجل ( السيّد جورج حدّاد ) مارّا بباب ادريس ، حينما يفاجـأ بثقل على ذراعه الأيمن ، واذا به يبصر المعطف الضائع قد استقرّ على …الذراع !

وهنا كان لا بدّ من أن نطرح على ماري حدّاد سؤالا مهمّا هو :

         أنت المثقّفة المتعلّمة …تؤمنين بهذه الأشياء ؟؟

قالت وهي تشدّ على كل عبارة تقولها :

         ماذا في وسع المرء أن يفعل أمام رؤية هذه الحقائق … غير الايمان بصاحبها ؟؟

أنا هنا أؤمن بما أبصرته  عيناي ، لا بما التقطته أذناي …وكيف في وسعي أن أكذّب عينيّ …وقدرتي على تمييز الأشياء ؟؟

انّ داهش رجل معجزة …معجزة القرن العشرين !

أقوال الصحف Back to

Leave a Reply

Your email address will not be published. Required fields are marked *

error: Content is protected !!