داهش واللّه

صلاة محزون

صلاة محزون

 

آه! تبـارك اســمك ، يا الله

يا إلهـي!

لقـد تحطـَّـم قلبــي، و نـاحــت مناي نفســي…

يا إلهــي!

لأننـي شــاعرٌ بعــبءِ الأوزار الُمثقــل بهـا عاتقــي،

و مـا تـزال فـي ازدياد…

يا إلهي!

و عالمٌ بأنني أستحق عليها العقاب الصارم الشديد…

يا إلهي!

و عارف بأنني لا أستحق الرحمة و الرأفة و الإشفاق…

يا إلهي!

و واثق بأنني ارتكبت من المعاصي و الشرور الشيء الكثير.

يا إلهي!

حتى وصاياك العشر حطمتها و بعثرت أشلاءها في كل مكان!

يا إلهي!

و الموبقات التي أتيتها طائعاً مُختاراً، لا عدَّ لها و لا حصر!

يا إلهي!

و خضت في بحرِ الجريمة السحيق الغور، البعيد القرار،

غائصاً في أعماقه، طافياً فوق أعاليه!

يا إلهي!

و أتوّن الشهوات المُلتهب دخلت جوفه و انغمست فيه.

يا إلهي!

و تغلغلت في مجاهلِ الغيّ و العماية ، و الضلال و الغواية.

يا إلهي!

و شربت من خمرة إبليس الرجيم فاستسغت حلاوتها العلقمية!

يا إلهي!

و تفيأت ظلَّ شجرة ( معرفة الخير و الشر) الجميلة المنظر…

يا إلهي!

ثم مددت يدي و قطفت من ( ثمارها) الشهية المُحرَّمة.

يا إلهي!

ثم أشبعتها من المُنكرات ما هو معروفٌ منها و مجهول!

و لكني بشري ، يا الله.

و الجنس البشري – كما تعلم- ضعيف كل الضعف.

إنه لا يستطيع صد التيارات العاصفة

التي يحارب بعضها بعضاً…

لا، و لا يستطيع دفع تلك الجيوش المُندفعة بسلاحها الكامل،

فيسقط صريعاً بنبالها المسدَّدة

بعد جهاد مُخيف شاق دام،

و يصبح في قبضة آسريه، و أنفه في الرغام!

و بعد ذلك يقوم صاغراً بما يمليه عليه آسروه الأقوياء،

فينغمس في معالمِ الرذيلة،

ناسياً أو متناسياً ما هي الفضيلة.

يا الله!

في أحلامي دعوتك فلم تستجب لدعائي،

و في أعماق الليل البهيم نحتُ بمرارة،

و أهرقت دماء قلبي النائح.

يا إلهي!

بمرارةٍ، و توجعٍ، و عمقٍ، و لوعةٍ، و اندفاعٍ، كانت صلاتي:

كالأم الثاكل التي فقدت بموت وحيدها كل أمل و رجاء،

كالملك الذي ثلَّ عرشه،

فأصبح شريداً طريداً، أنيس العناء، سمير الشقاء،

بل كالشقي المُكبل بالأصفاد، المسوق إلى ساحة الإعدام،

نعم، كالغريق الذي لم يبق فيه رمق من حياة،

و لم يبق له أمل بالنجاة،

آه!.. و كالمُحتضر الذي تتنازعه قوتا الموت و الحياة،

آه! و كالتائه في البيداء لا يدري في أي طريق يسير،

آه! و كالفتى في الصحراء لا يدري ما نهاية المصير،

آه! بل كالذبيح المهدور الدم و هو يلفظ نفسه الأخير،

بل كالفاقد ما جمعه طوال سني حياته، في لحظة واحدة!

إنني يائس كل اليأس، يا إلهي،

يائس و بائس، يا إله السماوات!

و لكن رجائي فيك عظيم و عميق جداً،

و عمقه لا حد له و لا نهاية!

و أنت بحالتي عليم، يا الله!

أنت، يا إلهي، ارحمني، ارحمني!

 

القدس، في 8 كانون الثاني 1935

Leave a Reply

Your email address will not be published. Required fields are marked *

error: Content is protected !!