أيُّها القبرُ الصَّامتُ تكلّم
أيُّها القبرُ الصَّامتُ تكلّم
أيُّها القبرُ الصامتُ !
يا من تضمُّ ، في جوفكَ ، رُفاتَ أَحبّ الناس إلى قلبي ،
أيُّها الجحودُ الذي لا يرحم ،
أيُّها القاسي الذي لا قلب له ،
أيُّها الجلمودُ الصخريّ الفؤاد ،
لقد اخترم الموت أعزَّ الناس على نفسي ،
وأنتَ ألحدتَه في حفرتك العميقة المخيفة ،
فهلاّ جعلتني أنظر إليه
لكي أُشاهد النبل الذي طواه الثرى ،
ولأمتّع بصري بمن كان يُحبّني كثيراً .
أَوّاه ! أيّتُها الحفرة الخالية الباردة المنسيّة !
رحماكِ ! أعطفي على المقيم بظلمتك الدامسة
وحافظي على رفاته العزيزة
وآنسيه كي لا تُرهبه وحشةُ الجدث المرعبة .
ويا أيُّها اللحد – عنوان الأحزان الأبديّة والأشجان السرمديّة ،
إنَّك تضمُّ في جوفك أنبل مخلوق عرفته طوال وجودي
في عالم الرياء والأكاذيب .
رحماك أيُّها الجَدَثُ المخيف ، أيُّها القبر الأخرس ،
أعلِمْه ، أَعلِمْه أَنَّ ذكراه خالدة في نفسي ،
خالدة في حسِّي ، خالدة في وجودي ،
خالدة في روحي الحزينة لفقده ،
وأنْبئْه أَنَّ حبَّه قد امتزج بدمي ، فكيف لي بنسيانه ؟
وهو أَحبُّ المخلوقات لديّ ،
وأَقربهم إلى فؤادي الملتاع لرحيله عني .
لقد انطوى ما يُقارب الثلاثة أعوام منذ طواه الردى
دون أن تكتحل عيني بقامته الفارعة المديدة
ووجهه الأبديّ الابتسام .
فواهاً لكِ أيّتها الحياة ما أقساك !
وواهاً لكِ أيّتها الدنيا ما أشدَّ المرارةَ فيكِ !
وأنتِ يا حياتي المستمرَّة في الوجود
أما آن لكِ أن ترحلي عن عالم الألَم والعذاب
كي تلتقي بأحبّ المخلوقات لديكِ
وهو أخي وحبيب وغاية ما أرجوه وأتمنّاه .
والقاطن بجوار الله في جنّة جنّات الفراديس الإلهيّة ،
أخي الحبيب الدكتور جورج خبصا .
أمستردام – هولندا
تاريخ 5/6/1972
الساعة التاسعة صباحاً