الحقيقة الكبرى في قضيّة الداهشيّين ضدّ رجال العهد اللبناني البائد
الحقيقة الكبرى
في قضيّة الداهشيّين ضدّ رجال العهد اللبناني البائد
كتاب مفتوح
من الأديبة المعروفة ماري حدّاد
مجلّة ( العالم العربي ) ، العدد التاسع ( 69) أول مارس 1953
بيروت – لمراسل ” العالم العربي ” :
لا تزال هناك بقية لقصة الاضطهادات التي انصبّت على الداهشيين في لبنان ، ولا يزال اهتمام الرأي العام في أنحاء البلاد العربيّة يتزايد بها منذ أفسحت ( العالم العربي ) صدرها لنشر القضية التي رفعتها الأديبة المعروفة السيدة ماري حدّاد .
وكانت جريدة ” لو جور ” الفرنسية قد نشرت مقالا بتوقيع ميشال شيحا – شقيق السيدة ماري – استهلّه بقوله : ” انّ البهيمية حين تعتدي على الروح تصبح الحياة لا قيمة لها ولا مغزى …” فعلّقت السيدة على مقال شقيقها متسائلة بقوة :
هل لا ينطبق قولك هذا على ما فعلته أنت في قضية الدكتور داهش فان اعتداءك يا أخي عليه هو اعتداء على المعاني الروحية التي ترمز اليها مبادؤه ، وقد لمس ذلك آلاف الناس في لبنان …
انك ورئيس الجمهورية السابق ( بشارة الخوري ) قد خشيتم هذا الرجل حين رأيتم نفوذه الأدبي القوي يزداد في نفوس الناس يوما بعد آخر …
انكم خشيتم أن يفضح استغلالكم للنفوذ في العهد الماضي ..
خشيتم أن يكتشف مؤامرتكم التجارية لمصالحكم الخاصة على حساب الوطن . فرأيناكم تجمعون قواكم ضده ، وعملت على بذر بذور التعصب والكراهية في الميادين التي نشط فيها لخدمة المواطنين …وكنتم بذلك مدفوعين بالأحقاد الشخصية ، والقيم المعنوية ، والفضائل جميعا …
ولقد استعان أعداء هذا الرجل معكم ، وعلى رأسهم السيد ” ألفرد نقاش ” فنشرتم الأكاذيب حوله وعملتم على النيل منه ، وتآمرتم على اخراجه من البلاد …
ولكن السيد نقّاش ، وكان رئيس الجمهورية في ذاك العهد ، أثبت لكم أن التحقيقات التي أجريت معه ، أوضحت أنه بريء براءة الذئب من دم ” ابن يعقوب ” ، ورفض أن يحقق لكم مطالبكم ، وأبى أن يشارككم في العدوان على حريات المواطنين !
ولما باءت تلك المساعي بالفشل الذريع استعنتم بأصدقاء من الفرنسيين في ذاك العهد – ولا ينكر أحد ما كان لهم من نفوذ – وطلبتم بهذه الوسيلة الى ادارة الأمن العام اللبناني اخراجه من البلاد ، ولكن هذه المحاولة لم تفلح أيضا ، لنفس السبب . وبالرغم من ذلك جميعا ظللتم على ملاحقتكم للدكتور داهش ، وتهديده بالأذى والشر …
وواتتك الفرصة ، حين استفدت من نفوذ صهرك رئيس الجمهورية السابق …ولكن القانون كان يقف بالمرصاد لحماية المظلومين …ولكن الاعتداءات تكرّرت ، والظلم توالى ، والاضطهاد تتابع ، استنادا الى هذه القوة الغاشمة !
اتهمتموه في سنوات الحرب بالجاسوسيّة …ونزعتم عنه الجنسيّة اللبنانية …وهذا أحاط به الخطر من كل ناحية ، ونكّلتم به تنيكلا ، وهو الرجل البريء والمواطن الصالح …
وأخذتم تلاحقونه بالدعايات السيئة ضده ، فأصدرتم الكتب والنشرات في مهاجمته بقسوة …ولكنني انبريت للدفاع عنه لايماني بأني أدافع عن الحق والحرية …
يا للسخرية ! انك تعقد المقالات في جريدة ” لو جور ” الفرنسية ، الجريدة التي تصدرها لتعظ الناس من فوق منبرها ، فما أبعد الشقة بين القول والعمل ، وبين التمني والحقيقة ، والنصوص والتنفيذ !
هل تستطيع وأنت تهاجمني –وأنا شقيقتك – أن تبرّر موقفك الظالم من قضية الدكتور داهش ؟! وكيف تستطيع أن تعتذر عن ظلمك لرجل صالح ، ساهمت في طرده من وطنه وجرّدته من كل سلاح !
قايين …قايين ! ماذا صنعت بأخيك ؟! يا ما أرهب الذكريات !
لقد أدخلتموني مستشفى المجانين …مستشفى العصفورية …انّ بعض هؤلاء الناس ينظمون صنع الجرائم ببراعة شيطانية ، يحسنون ابرازها في صورة الحقيقة …والحقيقة منها براء !
انك يا أخي تتكلم عن غاندي …وتسمعنا بعض الأقوال الرنانة البراقة ، فهل لنا أن نطمع بأن نراك تحاول أن تستهدي في أعمالك تعاليم هذا الرجل العظيم الذي يعتبر من رسل المحبة والسلام في العالم ، والذي حضّ على البعد عن كل عنف …
انني لا أبرئك من مسؤولية انتحار ابنتي ” ماجدة ” بسبب المظالم التي اقترفت ت…انها انتحرت احتجاجا على مذابح الأخلاق الكريمة ، والمثل العليا …ومن له أذنان للسمع فليسمع!
انّ التاريخ قد أعاد نفسه …وهذا الانقلاب الذي حدث في لبنان ضدّ الفساد وضدّ الطغيان…قد أثبت أن ” دريفوس ” الذي دافع عنه ” اميل زولا ” وأثبت براءته من الاتهام ..وقد ظهر بصورة أخرى في شخص الدكتور داهش الذي ندافع عنه اليوم .
( ماري حدّاد )